محمد اليحيائي: القصة علاقة غرام عابرة… أما الرواية فهي زواج

  
 

محمد اليحيائي: القصة علاقة غرام عابرة… أما الرواية فهي زواج

 كاتب عماني ينتمي إلى المدرسة الواقعية ويجمع بين الأسلوبين الأميركي والأوروبي

الأدب الجيد هو الذي تبدو أحداثه واقعية ومتخيلة في الوقت نفسه
بيروت – سجا العبدلي:
“لوحته شمس السنوات التي لا يعرف عددها ولا يهتم, فاستعاد نحوله, وسمرته القديمة. يقف إلى جوار شجرة البونزاي, على الممر المُبلط بالحجارة, في الدشداشة الكحلية ذات الحرير الأبيض والكٌمة المُنَجة بالأحمر والأصفر. الرحلة لم تكن طويلة فحسب ولكن, كانت مضنية. اختارها أو لم يخترها لا فرق, كان عليه ركوبها, موجة وراء موجة, نهاراً بعد نهار بعد نهار, أما الليالي فأجساد ممدة يعبر عليها, حوض شهواته ذا المياه الخضراء العميقة. كم مضى, كم تبقى ? كثيرُ, قليلُ, قليلُ كثير, لا فرق.. سينهض من نومه ذات ظهيرة ولا يجده, أو لا ينهض من نومه ذات ظهيرة ولا يجده, يجده أو لا يجده, ينهض أو لا ينهض, لا فرق… ”

دون تخطيط ولا خارطة طريق للعمل كتب القاص والروائي العماني محمد اليحيائي ليحول الواقعي إلى متخيل والمتخيل إلى واقعي في روايته الأولى ” حوض الشهوات” والتي هي ” عمل ضد الثبات وضد السكون وضد القناعات والأفكار والإجابات الجاهزة والمنتهية, إنما هو عمل في البحث وفي الرحيل وفي الأسئلة المفتوحة. ” كما يخبرنا في حوارنا هذا. هو كاتب ينتمي إلى المدرسة الواقعية السحرية, يجمع في مصادره المعرفية وذائقته بين الرواية الأميركية اللاتينية والرواية الأوروبية”.
حوض الشهوات
* حوض الشهوات عملك الروائي الأول, كيف اهتديت لكتابته, ولماذا كتبت في هذا الموضوع تحديداً ?

* كيف ولماذا, سؤالان صعبان عندما يتعلق الأمر بالكتابة الأدبية, بالفن عموماً. لا أكتب وفق خطة مسبقة أو أفكار جاهزة. أكتب مهتدياً بحدس وأحلام وصور, مصحوبة, بطبيعة الحال, بخبرات حياتيه ومعرفية وفنية, بعضها واعٍ وبعضها يصعد من بئر اللاوعي العميق والمجهول. لا أعرف كيف اهتديت إلى كتابة هذا العمل ولا لماذا هذا الموضوع تحديداً. الذي أعرفه أنني استيقظت مرة, وكان يوم إجازة, جلست إلى جهاز الكمبيوتر لأكتب الجملة التالية ” لوحته شمس السنوات التي لا يعرف عددها ولا يهتم, فاستعاد نحوله, وسمرته القديمة”, الجملة التي ستصبح مفتتح الرواية والتي ستقود أحداثها ومصائر شخصياتها إلى حيث كان عليها ولها أن تنقاد. هكذا بدأت ملامح الشخصية الأولى في التشكل, جملة وراء جملة وصورة وراء صورة, دون تخطيط ولا خارطة طريق للعمل. أخذت الرواية ملامحهما وشكلها وأسلوبها وفلسفتها مع تقدم العمل. شخصيات الرواية حرة ومستقلة, صنعت عالمها ومصائرها وتاريخها, ولم أكن أنا الكاتب سوى “مهندس” البناء الذي ساعدها على إيجاد المساحات التي تتناسب وحركة كل شخصية, وعلى اقتراح المعمار الذي يوفر لها مجال النمو والتطور و الحركة.

* يبدو هذا العمل وكأنه مجموعة روايات خرجت تحت مظلة عمل واحد, حدثنا عن هذا التكنيك?

* تقنية تعدد الأصوات وتداخلها, وتشابك الحكايات وتقاطعها, الانتقالات الخاطفة والسريعة في الزمن, ليست جديدة. قد تكون جديدة عربياً إلى حد ما, ولكنها قديمة ومعروفة في الرواية العالمية, المعلم الكبير في هذا النوع من الكتابة السردية هو “غونترغراس” الذي أظنه تعلمها من الملهم الكبير “جيمس جويس” . قد يبدو هذا الأسلوب في السرد معقدا وغير مريح للقارئ للوهلة الأولى , من الذي لم تُزعجه روايتا ” طبل الصفيح” لغونترغراس و ” عوليسيس” لجيمس جويس عند قراءتهما للمرة الأولى ومن الذي لم تدهشانه وتؤثر فيه هاتان الروايتان عند إعادة قراءتهما, بتأن وصبر, وتأمل أحداثهما? هذا ما صادفته “حوض الشهوات” أيضا, لكن القارئ الصبور, الذرب, الباحث عن المتعة والمعرفة سيجد الكثير من المتعة والمعرفة والمغامرة في هذا النوع من الروايات.
تلوين المزاج
* تبادل أدوار السرد بين أبطال العمل لربما أربك القارئ ولكنه نجح في تلوين المزاج العام للعمل, ماذا عن الأمكنة والأزمنة المتعددة التي دارت فيها أحداث العمل?

* أمكنة العمل وأزمنته ارتبطت بحركة الشخصيات, حركتها في المكان والزمان الواقعيين -ضمن زمان ومكان الحدث الروائي- وحركتها في المكان والزمان المتخيلين – ضمن خيال وذكريات وماضي الشخصيات – وأظن أن واحدة من المغامرات الفنية للكتابة الروائية هي تشظية الزمن وتفتيته بحيث يصاب القارئ بما يمكن وصفة ” دوار اللذة” الدوار الذي يسبق السقوط في اللذة. تحرك العمل في زمن ممتد لأكثر من مئة وخمسين عاماً من تاريخ عُمان ولكن ليس بصورة مستقيمة ومتصلة وإنما متشظية وأحيانا ارتدادية, وتحرك بين أماكن ومدن عدة. التاريخ الشخصي لشخصيات الرواية هو تاريخ نفي لا تاريخ استيطان, تاريخ رحيل لا تاريخ استقرار. فحتى إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية “سالم مطر” الذي عاش في المنفى خارج بلاده ثلاثين عاماً لم يتحول منفاه إلى وطن, عاد إلى الوطن ليعود إلى الهجرة في نهاية الرواية. “حوض الشهوات” عمل ضد الثبات وضد السكون وضد القناعات والأفكار والإجابات الجاهزة والمنتهية, هو عمل في البحث وفي الرحيل وفي الأسئلة الجارحة والمفتوحة.
تاريخ وأساطير
* في هذا العمل استطعنا قراءة التاريخ والأساطير والحكايا الشعبية والخيال والواقع ايضاً, ما كل هذا المزيج?

* هذا هو تاريخ عُمان عالم ملون من الحكايات والأساطير والخيال الشعبي الخصب. عالم البحار والجبال والسهوب. عالم الحروب والتحولات الكبرى, والمنافي والرحيل, عالم من الصعود والتمدد ثم التقهقر والانكماش- هذا هو تاريخ الدولة العُمانية, تاريخ تحولات كبيرة وعاصفة, عالم السكون الذي يسبق الحركة والحركة التي تولد من قلب السكون. التاريخ العُماني, القديم والحديث, محتشد بالأحداث والحكايات التي لم تكتب بعد ولم تُقارب بعد. ولعل هذه الرواية محاولة لمقاربة هذا التاريخ. إنما على كُّتاب السرد في عُمان الاقتراب أكثر من هذا العالم الغني, الملون ومقاربته في أعمال روائية.

* لماذا جعلت شخصية “ليلى” تكتب رواية حملت نفس عنوان روايتك , وتصدر عن نفس الدار وفي نفس السنة?

* جاءت هذه الفكرة من المسرح “كسر الإيهام” وهي “لعبة” روائية لمشاغبة القارئ وتحدي الذائقة القرائية التقليدية.

* ما الذي أردت قوله من قصة كل من “سلطان ومبارك”?

* الذي أرادا هما قوله, الجيل الذي ارتطمت أحلامه مبكرا بصخرة الصراع على السلطة والنفوذ. جيل الخيبة الأولى, ولكن أيضا جيل الأحلام الكبرى والمغامرات الكبرى والأسئلة الكبيرة, لكنه الجيل الذي أسهم في بناء عُمان الجديدة, بأحلامه وخيباته ورحيله وعودته.

* صورت موت ليلى بطريقة مؤثرة جداً لدرجة أنك جعلت مشاعر زوجها سالم تبدو وكأنها حقيقية, ما مدى قرب حكايتهما من الواقع?

* الأدب الجيد هو الذي تبدو أحداثه واقعية ومتخيلة في الوقت ذاته. حكاية سالم مطر وليلى سليمان واقعية وتحدث في أي مكان وأي زمان ولكنها لا تبدو/ لا يجب أن تبدو/ وكأنها حدثت أو تحدث في أي مكان وأي زمان, لا يجب أن تبدو مكررة ومعروفة, وإلا لما كان ثمة ضرورة لكتابتها. الكتابة هنا هي تحويل الواقعي إلى متخيل والمتخيل إلى واقعي, وهذا ما أسس له الكاتب العظيم غابرييل غارسيا ماركيز, ما صار يعرف بالواقعية السحرية. أنا أحد الذين ينتمون إلى هذه المدرسة, لكن مصادري المعرفية أكثر تنوعا, ذائقتي في الكتابة والقراءة وأدواتي الفنية مستمدة من نهري الرواية, الرواية الأوروبية والرواية الأميركية اللاتينية, وبالمناسبة ورغم تباين الأسلوب وتقنيات السرد بين المدرستين, فإنهما تنتميان إلى نسغ فني واحد هو “فن الباروك”. وأفضل من يجمع بين المدرستين اليوم هو الروائي التشكيكي الكبير ميلان كونديرا.

* أتساءل أحيانا من أعطانا الحق في الكلام باسم الناس, من قال لنا أن نحلم عنهم وباسمهم, لكن من نكون إن لم نتحدث باسم الناس ونحلم بأحلامهم قدرنا ودورنا “, ما أهمية تمرير الاسئلة وما نريد من خلال الحوارات ما بين الأبطال?

* الحوار يكسر أحادية السرد وسلطة السارد ويمنح الشخصيات المساحة الضرورية للنمو والتطور وقول أفكارها. والحوار وتمرير الأسئلة هما اللذان يقدمان فلسفة العمل على نحو أفضل. ويجعل متلقي العمل* القارئ* في حال تفاعل أكبر مع أحداث الرواية.

* بعد “خرزة المشي ” و”يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها” , و”طيور بيضاء, طيور سوداء” .. كيف تصف تجربة الانتقال من كتابة القصة إلى كتابة الرواية ?

* كتابة القصة ممتعة لكنها متعة قصيرة أما كتابة الرواية فتطيل عمر المتعة هذه. القصة القصيرة, واستعير من ماركيز قوله هذا علاقة غرامية عابرة أما الرواية فعلاقة زواج, لكني لا أراه زواجاً كاثوليكيا, إذ بمقدورنا الانفصال والعودة إلى العلاقات الغرامية العابرة, أو المراوحة بين الحالين. أحب القصة القصيرة وأكتبها, ولدى مجموعة نصوص جديدة لم تصدر في كتاب بعد, لكني وجدت أن تجربة كتابة الرواية ممتعة للغاية وإلى جانب المتعة في الكتابة, فإن كتابة الرواية تضع الكاتب أمام نظام أكثر صرامة من كتابة القصة, نظام في الوقت وفي القراءة … ليس قراءة الأدب فقط إنما قراءة التاريخ والسياسة والموسوعات, ونظام في سماع الموسيقى, بل وحتى التزام بالسفر والتنقل ومعرفة الفضاءات والمناخات التي تتحرك فيها شخصيات الرواية التي قيد التشكل.

* هل رحب جمهورك “بحوض الشهوات”?

* اسُتقبلت “حوض الشهوات” بترحاب لم اتوقعه, خصوصا في عُمان. قرأت من أطياف مختلفة, قرأتُ واستمعت إلى آراء وتعلقيات عدة, معظمها رحب وأحب الرواية, وكتبت عنها مراجعات عدة في عُمان وخارجها.

* هل سنقرأ لك تجربة أخرى في الرواية ?

* ربما, وأتمنى ذلك, لكني لست متعجلاً. لمن يعرف تجربتي المتواضعة في الكتابة والنشر, يعرف أنني من الكتاب الذي يؤمنون بالمباعدة بين الولادات.

http://bit.ly/1hRppJn

Leave a comment